إن مفهوم تعايش الأديان ليس وليد الساعة وإنما هذا المفهوم قديم قدم الديانات بمختلف مصادرها حيث شهدت العصور السابقة مشا ذات بين الاديان ككل. حينها جاء مفهوم حوار الاديان لكي يتوقف هذا التصادم مرتكزا على عدة مفاهيم تهم الاطراف ككل من حيث الثقافة الدينية و المساس بالمقدسات السماوية * “حوار الأديان” مفهوماً قديمًا، ربما قِدم الأديان نفسها، ولكنه اكتسب زخمًا أكبر في العقود الأخيرة، أما “حوار الحضارات” فهو جديد نسبيًا، وربما جاء الاهتمام الواسع به في عقد التسعينيات ردًا على أطروحة “صامويل هنتنجتون” (صدام الحضارات) وما أثارته من جدل. * “حوار الأديان” عالم واسع ومتنوع الأهداف والمستويات، والمبادرة إلى رفضه أو قبوله مبدئيًا تعتبر مغامرة غير محسوبة تختصر واسعًا، وتنتقي وجهًا واحدًا تحكم عليه بالسلب أو بالإيجاب وسط ظاهرة متعددة الوجوه. * والتنوع الذي نتحدث عنه يتضمن الأطراف المتحاورة، من رجال دين، أو أكاديميين متخصصين في الأديان، أو ناشطين في العمل الخيري، أو المهتمين بتعظيم دور الأديان في نواحي الحياة المختلفة، أو خليط من هؤلاء وأولئك. * وأهداف الحوار أيضًا تختلف، فهناك حوارات تبحث عن تفاهم متبادل وتعارف أعمق، وهناك أخرى تبحث عن القيم المتفق عليها، وهناك حوارات تبحث عن موقف مشترك من قضية بعينها، وهناك حوارات ذات أغراض سياسية… وهكذا. * وأساليب الحوار تختلف، وطريقة “استدعاء الدين” أيضًا تختلف؛ فهو يُستدعى كتجربة روحية أحيانًا، ويستدعى كتاريخ وممارسة أحيانًا أخرى، ويستدعى كنصوص مقدسة أحيانًا ثالثة، أو كقيم مجردة، أو كواقع حي يومي يتحرك على أرض الواقع. * ويختلف الحوار في نطاقه واتساعه الجغرافي بين المحلي والإقليمي والدولي، وفي تحديده للأديان، فقد يقتصر على الأديان السماوية المسماة بـ”الإبراهيمية”، وقد يتضمن ديانات أخرى مثل: الهندوكية والبوذية وغيرها، وقد يكون داخل دين واحد بين مذاهب وطوائف شتى، أو بين دين وآخر، أو بين عدة أديان في وقت واحد. * نماذج من أنواع ومستويات الحوار الديني: * ء تجربة اللجنة المصرية للعدالة والسلام / مصر: * وتعتبر هذه التجربة هي الأبرز على الساحة الفكرية والوطنية المصرية لمناقشة الشأن القبطي وهموم المواطنة، وقد اتخذت في بداياتها شكلاً منتظمًا عبارة عن جلسات يفصل بين الواحدة والأخرى عدة أسابيع أو أشهر، وتتم في الجلسة مناقشة مجموعة من الأوراق المقدمة من مسلمين وأقباط في إطار القضايا المحلية الوطنية، وبخاصة أن الفترة التي بدأت فيها تلك الحوارات – بداية التسعينيات ء قد شهدت تصاعد حدة المواجهة بين النظام المصري وجماعات التغيير بالقوة التي تنطلق من أرضية دينية بالأساس، وقد ضمت تلك الحوارات أكاديميين وناشطين، ورجال دين من مختلف الأعمار والخلفيات الأيديولوجية والفكرية، واستضافتها مقرات المؤسسات المرتبطة بالكنيسة الكاثوليكية المصرية في القاهرة * ء تجربة الحوار العربي/الأوروبي الشعبي ء ” تجربة الحوار من أسفل”: * في أعقاب غزو العراق للكويت، وحضور قوات التحالف إلى المنطقة ثم ما حدث من ضرب للعراق، وتداعيات هذه الأزمة، ارتفعت أصوات بضرورة اقتحام حقول الألغام الممتدة على الحدود الثقافية بين العرب والغرب، وتحمست للفكرة مجموعة من المؤسسات الكنسية الهولندية ليبدأ عمل حوارات عربية ء أوروبية تتعامل مباشرة مع المهاجرين العرب في هولندا وغيرها، وبخاصة الأجيال الصغرى، ثم امتدت هذه الحوارات للمنطقة العربية فانعقدت بعض دوائرها في تونس، والمغرب، ومصر، وفلسطين. * ورغم أن التركيز الأكبر في تلك الحوارات يكون على العناصر الشبابية، فإن الكبار أيضًا يحضرون للقيام بدور المساندة والدعم، ونقل الخبرات. ولم تستطع هذه التجربة أن تتجاهل موقعها وسط أوروبا فتدخلت بأساليب متنوعة في أزمات البلقان سواء في حروب البوسنة أو كوسوفا بعد ذلك. * وتشجع هذه التجربة التعارف بين الثقافات والأديان، ومن أمثلة مشاريعها في هذا الصدد ما قامت به بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين من خلال زيارات متبادلة للأماكن المقدسة ودور العبادة، وشرح ميداني لأهمية وقيمة هذه الأماكن لدى أتباع كل دين، وتاريخ البقاع المقدسة المهمة لدى المسلمين والمسيحيين. * * نقلات لازمة: * هناك تردد شديد – وبخاصة في صفوف المسلمين ء وتحفظات كثيرة بشأن الاهتمام بحوار الأديان، والدخول في أنشطته ودوائره، وأغلب التحفظات مبنية على أساس إدراك يحتاج إلى إعادة نظر في حد ذاته. * فهم ينظرون إلى الغربيين مثلاً بوصفهم “أهل الكتاب” الذين تحدث القرآن في مواضع عن عداوتهم للمسلمين، وبأن الحوار معهم لا طائل من ورائه، وأن الإسلام بوصفه الدين الحق لا يحتاج إلى الحوار مع أهل الباطل إلا إذا اعترفوا به، وسلموا له… الخ. * وهذا منطق خاطئ وإدراك معيب أصلاً يتجاهل آيات قرآنية تدعو للجدل بالحسنى، ويُسقط التاريخَ من حساباته فيتخبط في رؤية الواقع ويتسرع في إصدار أحكام على أسس خاطئة.
الثلاثاء، 15 فبراير 2011
التعايش بين الأديان
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
cv bi5ir
ردحذفMerci
ردحذف