المصريون لا يجلسون هذه الأيام على مقهى "الكرنك"؛ فالشايُ ثقيلٌ جدا ومُر، وجَمْرُ "الشيشة" فاترٌ، و"النَّفَسُ" يخرجُ من الفم والأنف غامقا وكئيبا، و"الكوتشينة" خاسرةٌ بكلِّ شخوصها؛ وحدَهُ "الشايب" ذو الشعر الأسود يربحُ دائما!
خرَجَ "الولد" و"البنت"، حتى "الجوكر" الذي بات قليل الحظ، إلى "ميدان التحرير"؛ هناك توقفت الحياةُ، واستدعت مَنْ غادروها منذ "الأبيض والأسود"؛ فـ"أنيس زكي"، موظفُ الصحةِ الخارج من ورق رواية "ثرثرة فوق النيل" ترَكَ "العوَّامةَ" بمريديها "المسطولين" وهتفَ لخبزه و"مليمه الأحمر" في الميدان الذي ما عاد يحملُ اسم "الإسماعيلية"، كذلك نَهَضَ طيفُ "سعد زغلول" بعدَ أنْ غطَّتْهُ "صفية" على غيظه المكتوم: "ما فيش فايدة"!
والأيامُ كلها لم تكن ذات فائدة؛ أشياءُ قليلة كانت تكفي لضحك المصريين الدائم، كهدف زائد يسجله "أبو تريكة" لـ"المنتخب القومي" في مرمى منتخب أفريقي هامشي. يؤوبُ المشجِّعون، يتفرَّعون في الأزقة الضيِّقة المكتظة بالحياة، وقد يضجرُ "عمرو" من العشاء الثقيل، فيضرب موعدا سريعا على "الكورنيش" مع خطيبته التي كانت في سنِّ الزاوج قبل عشرة أعوام. يمشيان وبين كفيهما "قرطاس البليلة"، يُبللُ حلمهما بالشقة و"العَفْش" وأحلام صغيرة بمقدار راتب موظف من الدرجة السادسة؛ فـ"النيلُ، من جنبهما، ما يزالُ يجري"!
مرَّت أعوام الانغلاق و"القلم البوليسي" سريعا، وخشيَ الناسُ المُخْبرَ الذي يرتدي "الجلابية"، وجاءت سنواتُ الانفتاح الاقصادي، فصار طابور "رغيف العيش" طويلا وداميا؛ كلُّ هذا و"سرحان عبد البصير"، يواصلُ المشيَ بجانب الحائط، ولا يتورَّعُ عن الإدلاء بشهادة زور؛ فهو الشاهدُ الوحيدُ الذي "ما شافش حاجة"، قالَ ما يُرضي القضاة ووكيل النيابة، حتى يعودَ لنومه الواقف مُردِّدا عبارته الدفاعية الشهيرة: "دَنَا غلبان"!
وهو بالفعل كذلك، مثل "الحاجب" الذي "مرتبه" 7 جنيهات في الشهر، ويتواجد معه 7 أبناء وزوجة وأم وحماة في كلِّ شهر في "الأوضة"، ولا يختلفُ الأمرُ مع اطراد الأرقام من 70 إلى 700 جنيه!
باعت "شادية" ابنتها الرضيعة للبراجوازية العاقر، و"تهَرْمَنَت" العشوائياتُ حتى تأجَّلَت إنسيانيَّتُها إلى "حين ميسرة"، فكبُرَ الحزنُ في موَّال الصَّبْر عند البحر العابس "فأصْل الحكاية ما تضحكش"، لكنَّها اليومَ حادة في "ميدان التحرير" وتتحضَّرُ لبداية جديدة؛ فالبشر والأرض والشجر تكلموا بلغة واحدة لها موسيقى الهدير!
"هِيَّ فوضى" فقد هرَبَ "حنفي الأبهة" من سجن "أبو زعبل" واستأجرَهُ "المعلم" ودفَعَ به إلى الشوارع الآمنة بـ"مَطوته" المسنونة، وتشبَّثَ "أبو الهول" بجلوسه غير القابل للمشي خشية بيعه في شارع الهرم، وتوارت عربات "الفول" و"الكشري" حتى يُطلقَ "أحمد سبع الليل"، وهو الجنديُّ البريء، الرصاصَ على مَنْ قتلوا ابن عمه الذي علمَهُ أبجدية الوطن. فوضى ستنتهي؛ وكلُّ النهايات في "الحواديت المصرية" تنتهي بقتل "الحنش"!
ها قد بدأت الليلة الأولى في الجزء السادس من "ليالي الحلمية"؛ ولكن أين "العمدة سليمان غانم؟". من المؤكد أنه توفي بعدما منعت الرقابة امتداد الجزء الخامس، فلن يلخِّص مجريات الأحداث في حكمته الساخرة، ولنْ يفرح بـ"كَف" يوجهه لبرجوازية "الباشا سليم البدري"؛ فقط سيصدحُ صوت "محمد الحلو" مكرِّرا بشارته الخالدة: "..وبكرة تفرَجْ مهما ضاقت علينا"!
بقلم نادر رنتيسي
موضوع .كوم http://mawdoo3.com/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D8%AD%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3%D9%8A%D8%A9
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق