المقدمة :
الحمد لله و كفى و الصلاة و السلام على النبي المصطفى المبعوث المجتبى  ،أما بعد ،
فقد تناولت في موضوعي هذا فترة من أهم الفترات التي مرت على التاريخ العربي و التي كانت من أهم مراحل نضج و تطور الأدب العربي ، ألا و هي فترة العصر الجاهلي و تحدثت عن أهم شعرائها و بعض أشعارهم و سمات تلك الأسعار ..

تعريف العصر الجاهلي :
فترة من الزمن ترجع بدايته إلى خمسين و مئة أو مائتين عام قبل الإسلام ، و قد ساد هذا العصر جهل الناس بعقيدتهم نتيجة تخلفهم عن عقيدة أبيهم إبراهيم عليه السلام ، فسمو جاهلين ، و قد امتاز هذا العصر بظهور الشعراء و برزهم و بروز قصائدهم التي نالت استحسان مجتمعهم حتى قاموا بتعليق بعض تلك القصائد على جدران الكعبة لتدل على عظمتها و سموها بالمعلقات ، كأمثال معلقة امرؤ القيس و طرفة بن العبد 

فضل الشعر الجاهلي :
(يعتبر أصل الشعر العربي الذي انبثق منه الشعر العربي في سائر عصوره ، لأنه أرسى عمود الشعر ، و ثبت نظام القصيدة ، إلى جانب ذلك فهو يمثل وفرة من القيم الفنية الأصيلة ، و يشكل مصدرا من مصادر الدراسة ، و يصور لنا النفس الغربية في فترة من أصعب فتراتها التاريخية ، يرسمها و عي تجتاز مراحل عسيرة من مراحل نموها و تطورها . و نحن نستطيع أن ندرك هذا التمثيل و تلك الصورة من ثنايا الأبيات التي يجمع الثقات على صحتها ، و نستدل على حقائق الحياة في ذلك العصر من الأخبار القصيرة التي أحاطت بهذه الفترة ، و الأحاديث التي دارت حولها . ) (1).

خصائص الشعر الجاهلي :
يتراءى في الشعر الجاهلي في نظام معين من المعاني و الموضوعات ، إذ نرى أصحابها يفتتحونها غالبا بوصف الأطلال و بكاء أثار الديار : كمقدمة طرفة بن العبد البكري:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد ظللت أبكي و أبكي إلى الغد (2) . 
(ثم يصفون لنا رحلاتهم في الصحراء و ما يركبونه من إبل و خيل ظن و كثيرا ما يشبهون الناقة في سرعتها ببعض الحيوانات الوحشية ، و يمصون في تصويرها ، ثم يخرجون إلى الغرض من قصيدتهم مديحا أو هجاءً و فخرا أو عتابا و اعتذارا أو رثاء . و للقصيدة مهما طالت تقليد ثابت في أوزانها و قوافيها ، فهي تتألف من وحدات موسيقية يسمونها الأبيات في وزنها و قافيتها و ما تنتهي به من روي ) (3) 


- د. نوري حمودي القيسي ، الفروسية في العصر الجاهلي ، بيروت ، مكتبة النهضة العربية ، عالم الكتب , الطبعة الثانية 1984 م . ص (211)
2- ابن النحاس ، شرح القصائد المشهورات الموسومة بالمعلقات ، بيروت , لبنان , دار الكتاب العلمية , الطبعة الأولى 1985 م . ص (53)
3- د. شوقي ضيف , تاريخ الأدب العربي ، العصر الجاهلي , الجزء الأول ، القاهرة ، مصر ، دار المعارف . ص (183 – 184 ) 


موضوعات العصر الجاهلي :
يقول أبو هلال (( و إنما كانت أقسام الشعر في الجاهلية خمسة : المديح و الهجاء و الوصف و التشبيه و المراثي ، حتى زاد النابغة فيها قسما سادسا و هو الاعتذار فأحسن فيه . (1)
أما بالنسبة للهجاء بالعصر الجاهلي : فكان لا يزال يقرن بما كانت تقرن به لعناتهم الدينية الأولى من شعائر , و لعلهم من أجل ذلك كانوا يتطيرون منه و يتشاءمون منه و يحاول التخلص من آذاه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا . و نحن نعرف أن الغزو ة النهب كان دائرا بينهم ، غير أن المغيرين إن غاروا و نهبوا إبلا بينها إبل شاعر ،و تعرض لهم يتوعدهم بالهجاء اضطروا اضطرارا إلى ردها أو على الأقل يردون ماله و إبله . يروي الرواة أن الحارث بن ورقاء الأسدي أغار على عشيرة زهير , و استاق أبلا له و غلاما ، فنظم زهير أبياتا يتوعده بالهجاء و المقذف ، يقول فيها :
ليأتينك مني منطق قذع باق كما دنس القبطية الودك (2) 
ففزع الحارث و رد عليه ما سلبه منه . 

بعض شعراء العصر الجاهلي :
امرؤ القيس :
من قبيلة كندة ، و من بيت السيادة فيها ، و هي قبيلة يمنية ، كانت تنزل في غربي حضر موت ، و هاجرت منها جماعة كبيرة إلى الشمال مع هجرات اليمنيين المعروفة . و قد احتلت مكانا بارزا من نجد في أواسط القرن الخامس الميلادي .
و قد تطورت الأحداث بعد ذلك ، فقد استولى الأحباش على اليمن و لاستعانة أهلها بهم للتخلص من ملكهم الذي قتلت فئة كبيرة منهم لاعتناقهم النصرانية و كيف بنيت الأخدود التي وصفها الله في سورة البروج و تعاقب الأحداث فيما بعدها . (3) 
الإمارة الكندية النجدية كانت تقابل إمارة المناذرة و قد اصطدت مع بعضها عدة مرات و قد ترقى ملك الكنادرة إلى الشمال و صاهر ملك الحيرة و توسع نفوذهم وأب جد امرؤ القيس حاكما لها وكثيرا ما يأخذ ابنه الحارث و الذي كان ابنه أب امرؤ القيس حجر الذي قتل يد قبيلة بني أسد و اختلفت الروايات حول مقتله .
من أسمائه حندجا و عديا و ملكية و يكنى بأبي وهب و أبي زيد و أبي الحارث و يلقب بذي القروح و الملك الضليل و أشهر ألقابه امرؤ القيس . و القيس من أصنامهم في الجاهلية و أبوه حجر و أمه فاطمة بنت ربيعة أخت كليب و مهلهل التغلبيين . و لا يعرف سنة مولده إلا أنه يظن انه ولادته كانت في بداية القرن السادس الميلادي . و قد طرده أباه لقوله الشعر فنشأ مترحلا فإذا صادف غديرا أو روضا ذبح لمن معه و أكل حتى ينفذ الغدير فيغادر لغيره و قد حمله أبوه مقتله فقال امرؤ القيس : ضيعني صغيرا و حملني دمه كبيرا ..؟! فترك حياة التنقل و مضى للأخذ بثأر أبيه كعادة العرب و ما تلا ذلك من أحداث لا يسعني ذكرها .. إلا أنه أخذ بالثأر .

ديوانه و شعره ...
لقد طبع ديوان امرؤ القبس مرارا و كان أول من طبعه دي سلان بباريس سنة 1837 م . و طبع الديوان من صنعة أبي بكر البطليموسي في صر و الهند و إيران .
و من أشهر قصائده و أشعاره التي تداول بين الناس ..
قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل 
و قد عد القدماء هذا المطلع من مبتكراته: إذ وقف و استوقف و بكى و أبكى معه و ذكرالحبيب و المنزل ، ثم أخذ يصور لنا كيف كان أصحابه يحاولون أن ينفسوا عنه و هو غارق في ذكرياته و بكائه و إرسال دموعه و زفراته. و انتقل انتقالا سريعا يقص علينا مغامراته مع النساء و كأن يريد أن يستثير صاحبته فاطمة و أن يزرع الغيرة في قلبها فهو يذكر بعض صواحبه الائي أبكينه و برح حبهن : مثل أن الحويريث و أم الرباب ثم يعود فيبث لفاطمة حبه مصورا دلالها و معاتبا لها عتابا رقيقا في تلك الأبيات الرقيقة :
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل و إن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
و أن كنت قد ساءتك مني خليقة فسلي ثيابي م ثيابك تنسل
أغرك مني أن حبك قاتلي و أنك مهما تأمري القلب يفعل
و ما ذرفت عيناك إلا لتقدحي بسهمك في أعشار قلي مقتل
و ما يلبث أن يرجع فيقص مغامراته الشائقة.(1) 

و من أبرز شعراء الجاهلية كذلك : الأعشى ..
الذي في أواخره و سمي الأعشى لضعف في بصره و اسمه هو ميمون , و قد عاصر دعوة النبي و عندما سمع انتصاراته امتدحه و كاد يسلم لولا صد قريش له فعاد لليمن و مات في طريقه ..(2)
كذلك زهير بن إبي سلمى ..صاحب المعلقة :
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم بحومانة الدراج فالمتلثم (3) 
و طرفة بن العبد و عبيد بن الأبرص و عنترة شاعر الفروسية و النخوة و الشجاعة و الحب و العشق و الغرام و كذلك النابغة الذبياني و غيرهم لا نوفيهم قدرهم و منزلتهم ...

الخاتمة ..
العصر الجاهلي تاريخ مجيد لا يستحق أن يختصر في ورقتين أو ثلاث و لكنني اخترت أهم صفاته و ملامحه و موضوعاته و تحدثت ببعض التفصيل عن أحد شعراءه و أتمنى أن قد وفيت و أديت.
(و ما توفيقي إلا بالله )